الاثنين، 16 يوليو 2012

سنةٌ انقضت ..



سنةٌ انقضَت..بأفراحها وأتراحها ..

ربيعٌ ولّى..بأزهاره وأشواكِه ..
عملٌ سُجّل.. بحَسَنِه وقبيحه ..بخيره وشرّه.. بما يُحزنني وما يسعدني أن أراه..
عـام مضــــــــــى... مضت دقائقه وثوانيه..
مضت لحظات فرحي وحزني وجَزَعي وأملي فيه...
مضت ..ولم أعُد أذكر إلا شُتاتاً من ذكريات ..

ولا أعلم .. حقاً إني لا أعلم...
أغلبت مساوئي حسناتي أم أُقحِمَت في بحرٍ من حسنات .. ؟!
لا أعلم...
كم أصبتُ وكم أخطأت..
كم أحسنتُ وكم أسأت..
كم صدقتُ وكم كذبت..
كم سمعتُ وكم أعرضت..
لكنّي أعلم عِلمَ اليقين ..
أن كل ذلك سُجّل بدقة ..سُجّل بحزم..سُجّل وسـأراه !
سـأراه...وأتمنّى أن تُسعِدَني رؤياه .


طوال الوقت ..كان يراني..
وكان الملكان عن يميني وعن شِمالي ..  يُسجّلان ..
كل صغيرة وكل كبيرة.. كل معصية وكل حسنة ... 
كل زلّة لسان وكل ذكرٍ رُطّب به لساني ..
لكني لم أستشعر ذلك إلا قليلاً.. ولم أأخذ هذا بعين الإعتبار إلا نـادراً...


غفلتُ وأخطأتُ وأسأتُ ...
أطعتُ وأحسنتُ وذكرت ...
لكني لا أدري.. أيُّ كفّةٍ غَلَبَت ..أيُّهُما رجَحَت على الأخرى , وأيُّهُما ارتفعت من خفتها ..


كم سوّفتُ وكم ماطلت ..
كم استعجلتُ وكم تذمّرت ..
كم تكبّرتُ وكم خاصمت ..
كم أضعتُ أيامي وشهوري في أتفه الأشيـاء..
وكم زهُدتُ في استغلالها في ما يمنحُ عقلي وفِكريَ الإرتقاء..
كم أرهقتُ نفسي بحزنٍ وأسىً وعِداء..
وكم لوثتُ قلبي بحقدٍ أو معصيةٍ أو رياء..!!


لكنّي سأطوي تلك الصفحة ..وسأفتح أخرى .. ناصعة البياض..
مع ربّي..مع نفسي..مع مُجتمَعي..مع الحـياة ,
سأتغيّر...وأُغيّر..
سأتفائل..
وأُمعنُ النظر لجانب الحياة المشرق ...
سأحيا ..
وأُحيي.. فِكري بالعلمِ وقلبي بالذّكر..
سأحلُم وأًسعى وأكابِد..
لن أترُك المصاعبَ تتكالبُ عليّ..أو أسمح للمُلهيات أن تشغِلَني
سأضع أهدافي ..ومبادئي..وقِيَمي نَصب عَينَيّ ,
وسأحيا لها , وبها ..
وأنا على يقين...
أنّي سأُصبحُ يوماً ما أُريد !





"المقالة بمناسبة يوم ميلادي 18/7/1998 "

الخميس، 12 يوليو 2012

في سوريّـا...


في سوريّـا ...
النسّاء يُرَمّلون..الأطفال يُيَتمون..الجرحىَ ينزِفون.. والشُّهداءُ يتوالون..

السوريون يُبادون..يُستنزَفون...
لكنّهم صامِدون..وبنصرِ الله هم مستبشرون ..
للحريّة هم عاشقون..وأغلى الأثمان لطلبها يدفَعون..
بالكرامة والإنسانية والعدل يُطالبون..
ضد الإضطهاد والظُّلم والقَمع يثورون...
وبكلّ أشكال العُنفِ والقسوة والإبادةِ يُقابَلون...
لكنّهم على مبدئِهم ثابتون..وبِثورتِهِم مُستمسِكون...
***
وبــــــــــــالعرب يستنجدون...
لكن هيهات..وماذا يُنتظَر من قومٍ لاهون..
غافلون..عاجزون ..وفي كلّ وادٍ يهيمون!
عن مصلحتهم فقط يبحثون...
من بعيدٍ ينظرون.. أو أنّهم أصلاً لا يعلمون..
وحجمُ معاناةِ إخوانهم لا يَعون..
لا أدري أعُمّيت عليهم أبصارهم أم صاروا لا يشعرون؟!
أنُزعت منهم العروبة أم هم منها متبرئون؟!
أماتت ضمائرُهُم أم قلوباً أقسى من الحجر يملكون؟
لا أدري أبالأغلال -عن نصرة أخوتهم- مكبّلون..
أم بمسؤوليتهم أصلاً لا يعترِفون..
لا ينصُرون..لا يتضامنون..وللدعاء لإخوتهم تاركون..
لكن أيَّ صعوبة في الدعاء يجدون؟!
ماالذي يصدّهم؟! ماالذي يكبّل أيديهم ..لماذا هم مُمانِعون؟!

لا أدري..
أيصفىَ لهم بالٌ أم أضحَو بلا ضمائر يسيرون..
أماتت فيهُم النخوة أم هم أصلاً لها لا يملكون!
لماذا لا يرفعون أيديهم في ظلمة الليل يدعون...

لنصر الله يطلبون..وإهلاكه عدوّه وعدوهم يرجون...
لإظهار الحقّ ووقف الدم والقتل والتشريد والإضطهاد يأمَلون..
وكلّ هذا بالدعاء يهون...!!


~ ~ ~ 




دُعَاءْ :
{ ياقوي ياعزيز..يا ناصر المستضعفين
نسألك برحمتك وعفوك وكرمك وجودك وإحسانك أن تتقبل شهداء سوريّا.. وأن تشفي مرضاهم...
اللهم ارحم الأمهات الثكالى والزوجات الأرامل والشيوخ الركع والأطفال اليتامى...
من لهم إلا أنت ..
من ناصرهم إلا أنت ..
من رحيمهم إلا أنت ..
من وكيلهم إلا أنت ..
اللهم اضرب الظالمين بالظالمين.. اللهم شتت شملهم وفرق جمعهم.. اللهم مزقهم كل ممزق...
اللهم أحصهم عدداً و اقتلهم بددا ولا تغادر منهم أحدا اللهم وألق الرعب في قلوبهم ...
اللهم هاهم أهل سوريا قد خرجوا طالبين نصرتك وعونك ومددك وفرجك وعفوك..
اللهم لا تخيب لهم رجاء..
اللهم لا تقفل أبوابك دونهم..
اللهم كن لهم ولاتكن عليهم..
برحتمك وجودك وكرمك يا أرحم الراحمين }

الاثنين، 9 يوليو 2012

كرهتُك!

ابتعد عنِي !
لا تُطربني بكلامك المعسول...
ولا تزعجني بتلميحاتِكَ الساذَجة
فزمن الكذب والخداع قد ولى دون رجعة
ولم أعد طينة تشكّلُها كما يُملي عليكَ هواك
لقد سئمت محاولاتك العابثة للعب بمشاعري
وسئمتُ ما يملأُ لسانكَ من كذِبٍ وما يملأُ قلبك من خيانة...
**
لا تحاول أن تربح ثقتي مرةً اخرى
فلن تتمكن ولو ركِبت أعلى ما في خيلِك!
لا تأمل أن أعود إليك بعدما وُضعت أمامنا كلُّ الحواجز
وانسَ كل ماكان بيننا من مشاعرٍ في الماضي
فلقد انقضت كلُّ فُرصك..ولقد كنتُ معك كأكرم ما أكون.
**
وإذا اردت استفزازي بكل ما تملك من قوة
فلن تستطيع زحزحتي عما قررته بشأنِك
فأنا اكتشفت ان ماكان بيننا لم يكن إلا خيالٌ طفولي...
ولكم ردني شيطَاني وهوايَ عن تركك بعدما قررت ذلك مراراً
**
لكني الآن قد تحررت من هوى نفسي ولن..
أضمحل أمام أيّ شخص كان...
فأنا ملكُ نفسي ...
ومشاعري لن يتحكم فيها أحدٌ سواي
لا تعتذر! ولا تقنعني بمبررات سمِجة
فقط..ما أريده منك ...
أن تتركني...وتبتعد !
فأنا ..كرِهتك حتى الثّماله!


السبت، 7 يوليو 2012

هوى النّفس

بسم الله الرحمن الرحيم.


تفشت في مجتمعاتنا هذه الفترة تصرّفاتٌ ذميمة , لا تمّت لمُجتمعنا العربيّ والإسلامي السويّ بصِلَة..
ومن أسوأ هذه التصرّفات ما يسمى بـ "المعاكسة" أو "التحرّش"...
وقد تناقشت كثيراً في هذه المشكلة لكني لم أخرج بفائدة تذكر من هذه النقاشات خاصة أن جميعها كانت "الكترونية" ؛
فالشاب يرى نفسه عاجزاً عن التحكّم في غرائزه أمام ما يلبسنه الفتيات من ملابسٍ -في الحقيقة- تستحي منها الأعين وتثار لها الغرائز , ويجعل ملابس الفتيات هذه مُبرّراً للتحرش بهنّ , ويرى أنه ليس بمذنب ولا يستحق اللوم والعتاب على ما يفعله .
والفتاة ترى أنها بتغطية شعرها قد أوفت شروط الحجاب المحتشِم
 أو ترى أن لها الحرية أن ترتدي ما شاءت من الملابس ولا يحق لأحدٍ أن يتعرض لها .
أنا أرى أنه لا يحق للفتيات أن يلبسن ما تستحي منه الأعين ومن ثمَ تلومُ من يعاكسها أو يتحرّش بها ...
ولا يحقّ للشاب أيضاً أن يجعل ملابس الفتيات مبرراً للتحرش بهنّ بكلّ جُرأة ووقاحة .
نعم...
الفتاةُ ستحاسب على ملابسها , والشابّ سيحاسب على ما ينظر إليه ويفعلُه....
الكلام في هذه القضية -ولا مبالغة في وصفها قضية- يطول, وأسبابها كثيرة وبُناءً على تعدد الأسباب تتعدد الحلول ..
هُناك حلول لهذه المُشكلة من الجانب النفسِي والإجتماعي ..لكنِي هنا سأتحدث -وبلا تعقيد- عن حلّ المشكلة من المنظور الإسلاميّ .
فالحل المُشترك لجميع أسباب هذا المرض المتفشي هو : تقويَة الوازع الديني .
نعم...
يجب على كل فتاةٍ أن تعلم أن عليها إثم كل من تُغويه بمحاسنها أوتثير غرائزه بمفاتنها .
ويجب عليها أن تعلم أيضاً , أن الحجاب لم يكن -ولا يمكن له أن يكون- مجرّد "إيشارب" تغطي بهِ شعرها أو جزءاَ منه!
الحجاب -ببساطة- يعني السّتر , يعني إخفاء ما يلفت الأنظار من محاسنِك .
ويجب على كل شابٍ أن يعلم ويتأكّد أن غض البصر "واجب" يأثم بتركه مهما كانت الظروف المحيطة به وأياً كانت الملابس التي ترتديها الفتيات.
ومما أتعجب منه هو أن تكون الفتاة على علم ودراية بأن لها أخاً أو قريباً يتغزل بالفتيات ولا تنصحه أو تحاول منعه , بينما تتضايق وتُثار أعصابها إذا ما طالتها معاكسة... لماذا إذن ترضين على أخَوَاتك ما لا ترضينه على نفسك؟!
ومما يثير العجب أيضاً أن يتحوّل الشابُّ لشجاعٍ مقدام..إذا ما حاول أحد التحرش بأخته , بينما لم تسلم من معاكساته فتياتٌ كثيرات !
وبما أن الحل الأمثل والجِذري لهذه المشكلة -كما ذكرت سابقاً- هو تقوية الوازع الديني , 
ولكي أكون عادلة -وهكذا ينبغي لي أن أكون- فإني سأعرض حلاً (من منظورٍ إسلامي) يستأصِلُ المشكلة من كِلا طرفيها (الشاب والفتاة) .


(1) غض البصر .
1- قال صلى الله عليه وسلم :"‏ثَلَاثَةٌ لَا تَرَى أَعْيُنُهُمْ النَّارَ‏:‏ عَيْنٌ حَرَسَتْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَعَيْنٌ بَكَتْ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ، وَعَيْنٌ كَفَّتْ عَنْ مَحَارِمِ الله "‏ [رواه الطبراني].

2-وقال صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه عز وجل أنه يقول :" النظرة سهم مسموم من سهام إبليس، مّنْ تركها من مخافتي أبدلته إيماناً يجد حلاوته في قلبه" [رواه الطبراني والحاكم من حديث حذيفة وقال صحيح الإسناد].

3- وقال صلى الله عليه وسلم: " العينان تزنيان، وزناهما النظر " [متفق عليه].

4- و عن جرير بن عبدالله رضي الله عنه قال: "سألت رسول الله صلى عليه وسلم عن نظرة الفجأة فأمرني أن أصرف بصري " [رواه مسلم].

5- وقال صلى الله عليه وسلّم : "يا علي، لا تتبع النظرة النظرة.. فإن لك الأولى–أي إذا كانت عن غير قصد- وليست لك الآخرة -أي لا تجوز بل عليك الإثم- " [رواه الترمذي وأبو داود وحسنه الألباني]

وللإستزادة , أنصحُكم  بقراءة هذا الموضوع :
الفوائد العشرة..لمن غض بصره



(2) الحجاب .

للحثّ على الحجاب آياتٌ وأحاديثٌ كثيرة ..لكنّ شَرحها يطول, ولذلك اخترتُ لكم حديثاً جليّاً واضِحاً لبيان العقوبةِ الصارمة لمَن تُبدي زينتها التي تُثير غرائز الشباب وتُحيي فيهمُ الشهوة...تأملوه...

- قال صلى الله عليه وسلم : " إثنان من أهل النار لم أرهما , قومٌ معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس -وهم أعوان الحكّام الظلمة الذين يجلدون ويعذبون- ونساء كاسيات عاريات مميلات مائلات رؤوسهن كأسنمة البُخت المائلة لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا" رواه مسلم
"مائلات" : أي منحرفاتٌ عن طاعة الله .
"مُميلات" : أي ينحرفن بغيرهن , فهُن فاسداتٌ مُفسِدات .
"رؤوسهن كأسنمة البُخت" : أي تلبسُ فوق شعرِها ما يَجعل رأسها كأنه سنامُ بعير, مرتفعاً.
وللحجاب والتستّر فوائدُ عديدة ..أذكر منها :
- الحجاب حصن حصين للمرأة.
- وهو يحفظ كرامتها وإنسانيتها.
- وعدم الالتزام به يؤدي إلى فساد المجتمع.



وأختِمُ كلامي بما كان يُفترض بي أن أبدأه به :
 قال الله تعالى في كتابِه الكريم: " وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى "
التبرّج والسفور من هوى النفس , فهما يوهمان الفتاةَ بزيادة أُنوثتها وفخرها بمحاسنها.
والنظرُ إلى النساء -حتماً- من الهوى الذي تحبّه النفس , فيتوهمُ الشاب أنه بذلك يُخمِد نار غريزته وشهوته مع أنه في الحقيقة يزيدُها اشتعالاً..
وفي الآية الكريمة ...وعد الله كلّ من يتصدى لهوى نفسِه ويقف مرتجلاً أمام شهواته متصدّياً لرغباته المحرّمة ..أن يجزيه جنّة المأوى التي هي مُنى كلُّ مسلمٍ ومسلمة.
فكن قوياً... وتغلّب على شيطانِك ونفسك الأمارة بالسوء .
وتذكَر أنه "من ترك شيئاً لله عوّضه الله خيراً مِنه" كما قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم .




دُمتم .



الفوائد العشرة..لمن غض بصره

بسم الله الرحمن الرحيم

الفوائدُ العشرة...لمن غضّ بصره



1) امتثال لأمر الله الذي هو غاية سعادة العبد في معاشه ومعاده ، وليس للعبد في دنياه وآخرته أنفع من امتثال أوامر ربه تبارك وتعالى ، وما سعد من سعد في الدنيا والآخرة إلا بامتثال أوامره ، وما شقي من شقي في الدنيا والآخرة إلا بتضييع أوامره . 


2) يمنع من وصول أثر السهم المسموم الذي لعل فيه هلاكه إلى قلبه . 

3) أنه يورث القلب أنسا بالله وجمعية على الله ، فإن إطلاق البصر يفرق القلب ويشتته ، ويبعده من الله ، وليس على العبد شيء أضر من إطلاق البصر فإنه يوقع الوحشة بين العبد وبين ربه . 

4) يقوي القلب ويفرحه ، كما أن إطلاق البصر يضعفه ويحزنه . 

5) أنه يكسب القلب نورا كما أن إطلاقه يكسبه ظلمة ، ولهذا ذكر الله آية النور عقيب الأمر بغض البصر ، فقال : ( قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ) ، ثم قال اثر ذلك : ( الله نور السماوات والأرض ، مثل نوره كمشكاة فيها مصباح ) ، أي مثل نوره في قلب عبده المؤمن الذي امتثل أوامره واجتنب نواهيه ، وإذا استنار القلب أقبلت وفود الخيرات إليه من كل جانب ، كما أنه إذا أظلم أقبلت سحائب البلاء والشر عليه من كل مكان ، فما شئت من بدعة وضلالة واتباع هوى ، واجتناب هدى ، وإعراض عن أسباب السعادة واشتغال بأسباب الشقاوة ، فإن ذلك إنما يكشفه له النور الذي في القلب ، فإذا فقد ذلك النور بقي صاحبه كالأعمى الذي يجوس في حنادس الظلام . 

6) أنه يورث الفراسة الصادقة التي يميز بها بين المحق والمبطل ، والصادق والكاذب ، وكان شاه بن شجاع الكرماني يقول : من عمر ظاهره باتباع السنة وباطنه بدوام المراقبة ، وغض بصره عن المحارم ، وكف نفسه عن الشهوات ، واعتاد أكل الحلال لم تخطئ له فراسة ؛ وكان شجاع هذا لا تخطئ له فراسة . 

7) أنه يورث القلب ثباتا وشجاعة وقوة ، ويجمع الله له بين سلطان البصيرة والحجة وسلطان القدرة والقور ، كما في الأثر : " الذي يخالف هواه يفر الشيطان من ظله " ، وضد هذا تجده في المتبع هواه من ذل النفس ووضاعتها ومهانتها وخستها وحقارتها ، وما جعل الله سبحانه فيمن عصاه ، كما قال الحسن : " إنهم وإن طقطقت بهم البغال وهملجت بهم البراذين ، فإن ذل المعصية لا يفارق رقابهم ، أبى الله إلا أن يذل من عصاه " ، وقد جعل الله سبحانه العز قرين طاعته والذل قرين معصيته ، فقال تعالى : ( ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ) ، وقال تعالى : ( ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين ) ، والإيمان قول وعمل ، ظاهر وباطن ، وقال تعالى : ( من كان يريد العزة فلله العزة جميعا ، إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه ) ، أي من كان يريد العزة فليطلبها بطاعة الله وذكره من الكلم الطيب والعمل الصالح ، وفي دعاء القنوت : " إنه لا يذل من واليت ولا يعز من عاديت " ، ومن أطاع الله فقد والاه فيما أطاعه، وله من العز سب طاعته ، ومن عصاه فقد عاداه فيما عصاه فيه ، وعليه من الذل بحسب معصيته . 

8) أنه يسد على الشيطان مدخله من القلب ، فإنه يدخل مع النظرة وينفذ معها إلى القلب أسرع من نفوذ الهواء في المكان الخالي ، فيمثل له صورة المنظور غليه ويزينها ، ويجعلها صنما يعكف عليه القلب ، ثم يعده ويمنيه ويوقد على القلب نار الشهوة ، ويلقي عليه حطب المعاصي التي لم يكن يتوصل إليها بدون تلك الصورة ، فيصير القلب في اللهب ، فمن ذلك تلد الأنفاس التي يجد فيها وهج النار ، وتلك الزفرات والحرقات ، فإن القلب قد أحاطت به النيران من كل جانب ، فهو وسطها كالشاة في وسط التنور ، ولهذا كانت عقوبة أصحاب الشهوات بالصور المحرمة : أن جعل لهم في البرزخ تنوراُ من نار ، وأودعت أرواحهم فيه إلى حشر أجسادهم ، أراها الله نبيه -صلى الله عليه وسلم- في المنام في الحديث المتفق على صحته . 

9) أنه يفرغ القلب للتفكر في مصالحه والاشتغال بها ، وإطلاق البصر يشتت عليه ذلك ويحول بينه وبينها فتنفرط عليه أموره ويقع في اتباع هواه وفي الغفلة عن ذكر ربه ، قال تعالى : ( ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا ) ، وإطلاق النظر يوجب هذه الأمور الثلاثة بحسبه . 

10) أن بين العين والقلب منفذا أو طريقا يوجب اشتغال أحدهما بما يشغل به الآخر ، يصلح بصلاحه ويفسد بفساده ، فإذا فسد القلب فسد النظر ، وإذا فسد النظر فسد القلب ، وكذلك في جانب الصلاح ، فإذا خربت العين وفسدت خرب القلب وفسد ، وصار كالمزبلة التي هي محل النجاسات والقاذورات والأوساخ ، فلا يصلح لسكنى معرفة الله ومحبته والإنابة إليه ، والأنس به ، والسرور بقربه ، وإنما يسكن فيه أضداد ذلك .


المرجع : الجواب الكافي 
للإمام : ابن القيِّم بن الجوزيه