راحةً البال من أهم أنواع الراحة التي يسعى الإنسان لتحقيقها, شعُر بذلك أم لم يشعر, فراحة بال الإنسان تنعكس على راحة جسده وروحِه وعقله وكُلّه , وراحة البال وصفاء الذهن من العوامل المهمة التي تتنحّى بالإنسان عن طُرُق الكسل والإحباط والكآبة إلى طُرُقٍ رَحْبة من الاستمتاع بحياته والاستقرار بنفسيته , كما أنها تدفع الإنسان للعمل والإنتاج بعد أن يتخلص من كثيرٍ من الهموم التي تُثقل كاهله وتُضعف إنتاجيته .
وأعتقد اعتقاداً جازماً أن السبب الأساسي الذي ينتزع راحة البال انتزاعاً , ويجعل الإنسان مُتعب البال , متخبّط الفكر , حائر النفس : إرهاق النفس بالتفكير في المستقبل والخوف مما قد يحمله من أحداثٍ مؤلمة, فيُتعس المرء يومه , وغده , وبعد غدِه , لخوفه من أحداثٍ (قد) تحصُل وقد لا تحصُل , ولو تفكّر الإنسان لوجد أن يومه هذا , كانت أحداثه المجهولة بالأمس موضع خوفٍ وقلق, وقد مرّ بسلامٍ بدون أي من تلك "الأوهام" والمخاوف , وهكذا كُلّ الأيام , أو معظمها .
ولكم أشفق على من يستنزفون سعادتهم ويقضون أعمارهم في الخوف من الغد , فإذا انقضى الغدُ وصار ماضياً , خافوا من غدِه .. حتى تنقضي أعمارهم البائسة بلا سعادةٍ شعروا بها , وبلا استقرارٍ أحسّوا به , وبلا عملٍ أنجزوه!
ولو تأمل أولئك في النصوص القرآنية -أو النبويّة- وتدبروا .. لوجدوا ما يشرح صدورهم , ويريح عقولهم , ويستقرّ بنفوسهم .
وما أروع وصية الرسول صلى الله عليه وسلم, لابن عباس رضي الله عنهما ؛ قال صلى الله عليه وسلم : " يا غلام, إني أعلمك كلمات, احفظ الله يحفظك , احفظ الله تجده تُجاهك, إذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله, واعلم, أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيءٍ لم ينفعوك إلا بشيءٍ قد كتبه الله لك, ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيءٍ لم يضروك إلا بشيءٍ قد كتبه الله عليك, رُفعت الأقلام وجفت الصحف"
هذا الحديث يستحقّ حقاً أن يُكتب بحروفٍ من ذهب! .. ووالله لو فعل المرء منا بالنصائح التي في أوّله , ثمّ سلّم بالحقيقة التي في آخره , فلن يشقى أبداً! وسينعمُ بحياته , وأُخراه , وينجحَ ويُخلّد ذكراه , ويسمو بروحه ونفسه ودُنياه .
المسلم الحق.. يعيش حياته وفق مبدأ واحدٍ –متعلق بالمستقبل- , إن حاد عنه راجع نفسه فعاد , وإذا لم يعِش وفقه شقي وتعِس دُنياً وأُخرى .
وهو مُتمثلٌ في قوله تعالى :
"قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ" [التوبة:51].
اعمل لمستقبلك.. وخطط له.. واسعَ جاهداً لجعله أفضل من حاضرِك.. لكن حِذار أن تستغرق في ذلك وتتعمّق فيه لدرجةٍ تجعلك تُملأ حاضرك تعاسةً وبؤساُ .
اعتصم بحبل الله.. كن معه.. واطلب منه العون والسداد والتوفيق.. احفظه يحفظك وتجده تُجاهك دائماً.. ووالله لا يشقى أبداً –حاضراً ومستقبلاً- من مالكُ كلّ شيء ومقدّر كل الأمور عونه ووليُّه وحسبُه .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق