الخميس، 18 أبريل 2013

أن تعرف نفسك



في رحلة حياة الإنسان –طالت أم قصُرت- ليس أهم عليه من معرفة ذاته, واكتشافها, وفَهمها, وسبر أغوارها, والوقوف على مزاياها وعيوبها, ومحاسنها ومثالبها, ونقاط قوتها وضعفها, ومواطن جهلها وعلمها, ومعرفة رغباتها, ومقاصدها, وأهدافها, وأحلامها. 
يجب عليه اكتشاف ومعرفة كل ذلك حتى يحقق التوافق مع ذاته, فيحبها, فيسعى لرقيها, ويجتهد لتنميتها, وتطويرها, وتزكِيَتِها, و ﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا ﴾ .
فإذا توافَق الإنسان مع ذاته, فلن تستطيع قوة في العالم أن تُربكه, وتشوّشه, وتحيد به عن الطريق المستقيم. ولن تثنيه عقبات الحياة وعوائقها مهما كثُرت عن الارتقاء بذاته وطموحاته وإنجازاته.
فمعرفة الإنسان لنفسه, وتهذيبها, وتزكيتها, والتوافق معها, تفتح له أبواباً لا حصر لها من الخير والهداية والسداد.
فلا أهدى ولا أسعد ممن تناغم مع ذاته, فوضع يده في يدِها, ومضيا سويّاً على الطريق المستقيم, ونحو الهدف القويم, لا يتعارضا, ولا يتصارعا, ولا يتناقضا.
ولا أضلّ ولا أتعس ممن جهِل نفسه ولم يلقِ بالاً لمعرفتها, فأعملَها ولم يعمل لها, فبقى معها في صراع, ولم ينفكّا عن النزاع, فأصبح سائراً في الحياةِ متخبّطاً متحيراً متذبذباً.
فالإنسان إن لم يعرف ذاته ويفهمها, اضطرب وتعثّر, وتردّى وهوى, وشقي وتعِس.. وعاش حياته في صراعٍ أبديّ, وحربٍ ضروسٍ مع نفسه.
وقد كُتِب في اكتشاف الذات الكتب, وأُلفت فيه المؤلفات, وتكلّم الفلاسفة, ونصح العلماء, لكني أرى السبيل الأبسط والأصوب لفهم الذات هو التأمل في النفس والتفكر فيها, أن يجعل الإنسان وقتاً لذاته, لنفسه, لروحه, يحدد فيها مبادئه وأهدافه ورغباته, ويرسم فيها صورةً مشرقةً لحياته؛ حتى لا يضيع الإنسان في متاهات الحياة, ويغرق في أمواجها المتلاطمة.

الأحد، 14 أبريل 2013

أخشى أن أحاسب..

أخشى أن أحاسب..
على كلّ لقمة أدخلتها جوفي..
ولياليهم بالجوع مطوية..
وعلى كلّ ضحكةٍ علا بها صوتي..
وقلوبهم بالحزن مكسيّة..
وعلى كل شربةِ ماءٍ روُي بها عطشي..
وجسُومهم بالدمِ مرويّة..
وعلى كلّ لحظةٍ غفا فيها جفني..
وهم من القصف لا يجدون ليلةً هنيّة..
وعلى كل فرحةٍ ثَلُجَ بها صدري..
وصدورهم بالأسى ملية..
وعلى كل نَدرةٍ نطق بها لساني..
وألسنتهم تروي المآسي مليّاً..
وعلى كلّ بسمةٍ علت فَمِي..
والأحزان في عيونهم مرئيّة..
وعلى كلّ شهوةٍ استعبدتني..
وأرواحهم تذهبُ فدى الحريّة !
فتاللهِ إن لم تدركنا رحمةُ الإله إننا لهلكى..
من تقصيرنا في حقّ المستضعفين ..
وتفريطنا في حقّ اليتامى.. والثُّكلى..
فأين نحن من الجسد الواحِدِ..
وأين نحن من تآزر البنيانِ؟

الجمعة، 12 أبريل 2013

أبلغ رد !

إن لم تجد من يبنيك..
فلتبنِ نفسك أنت..
وعندما يسعى الكل لتحطيمك..
اصمد أمامهم واثبَت..
فمهما صِرت ومها كنت..
فلن تسلم من ألسنة البشر قط..
وما دُمت عظيماً..
فليس من تثبيط المُحبطين بُد..
فناجحٌ سلم من ألسنة الخلق..
لم يُذكَر في التاريخ بعد !
ومعاول الهدم لا يقصد بها إلا..
من علا, وارتقى, ورام المجد..
وإن جُرحت من أهدهم حسداً..
فليس أبلغُ من الاجتهاد رد !
فدافع كلّ تثبيطٍ..
حقدٌ متأجج في الصدور أو حسد
فلا تجزَع إذا ما رُميت بأسهمٍ..
فأسهم الأغرارِ لا يسلم منها أحد.

الخميس، 11 أبريل 2013

فوضى

بداخلي فوضىً تعتريني.. 

تارةً توقظُ فيّ حنيني..

وتارةً بهمّ المستقبل ترميني..

ها أنا ذا .. لستُ أدري من أنا..

وما زلتُ في البحث عني أقضي سنيني..

رتبتُ أوراقي.. كُتُبي.. ومكتبي..

نسّقتُ ملابسي.. وأغراضي..

نظّمتُ كلّ ما حولي..

وسهيت أن أرتب باطني !

وغفِلتُ أن أنظم داخلي !

ونسيتُ أن أنسق كامني !

ومنِ الإنسان إن لم يعرف من هو؟

وما المرءُ إن لم يعلم ما هو؟

وكيف يطرَبُ الإنسان إن لم يفهم ذاته؟

وهو إن لم يفهمها اضطرَب.. وتعثّر.. وبالفوضى مُلِئت حياته

الجمعة، 5 أبريل 2013

الثقة بالنفس والغرور

من أكثر المفاهيم التي يتحتّم علينا الجمع بينها حتى نحيا حياةً ملؤها السعادة والرضا, ونحقق النجاحين الشخصي والاجتماعيّ على حد سواء : الثقة بالنفس والتواضع.
ويتسائل الكثيرون عن كيفية الجمع بينهما, أو امكانيّته أصلاً.
ولا أجِد إجابة شافيةً في المقولة التي تمثل العلاقة بين الثقة بالنفس والغرور في نظر الكثير من الناس .. التي تقول :
" الغرور هو الثقة الزائدة بالنفس " .. لا وألفُ لا !.. لم تكن زيادة الثقة بالنفس أبداً -ولن تكون- سبباً للغرور والكِبر, إلا لخلل في النفس نفسها.. وانحراف عن الثقة الحقيقية بالنفس, فالمغرور ليس واثقاً من نفسه, لكنه يراها أكبر بكثير من  حجمها الحقيقي.. ويرى الآخرين صِغاراً حقيرين من برجه العاجيّ الوهمي.
أما الثقة بالنفس فهي رؤية موضوعية لقدرات الإنسان, وإيمانٌ بنقاط قوته, وتقديرٌ لأسرار الله التي أودعها فيه.
لن أتفلسف كثيراً وأعقد مقارنة نمطيّة بين أعظم السمات وأبشع الصفات, ولن أصف لك "روشته" تصل بها إلى تحقيق التوافق بين بين الثقة بالنفس والتواضع..
لكني سأعطيك طرف الخيط , وابحث أنت عما تبقى..
ثق بنفسك.. آمن بها.. وقدّرها..
لكن ابدأ السلام مع الآخرين..
اعطف على الفقراء والمساكين..
تبسّم لكل المخلوقين..
ساعد المحتاجين..
اسمع شكوى المُستضعفين..
واسعَ مع العاجزين..
فلا توصف من المغرورين..
وتجمع بينَ أعظم خَصلتين..
فيرفعك ربّ العالمين..
وتكونَ للأرض من المُعمّرين.
:)



الاثنين، 1 أبريل 2013

فلاتر المشاعر

لا يُظهر "كل" ما يُبطنه من مشاعر إلا أحمق..
ولا يُذيع كل ما يراوده من أحاسيس إلا سفيه !
ليست دعوة للنفاق.. ولكنها دعوةٌ للسيطرة, والتحكم, وضبط الانفعالات .

كل إنسان تراوده -لاشك- بين الحين والحين عواطف ومشاعر تجاه شخص, أو أشخاص معينين, وهذه المشاعر قد تأتي للحكماء والسفهاء على حد سواء, ولا يُلام عليها إنسان .. و " لا تُكلَّفُ نَفْسٌ إلا وُسْعَها" .
لكن ما يفرق الكيّس العاقل عن الأحمق المتهور هو وقت وطريقة إظهار تلك المشاعر, أو إظهار تلك المشاعر من الأساس أو إخفاؤها, وكِتمانها, وتهذيبها, وعدم الاكتراث بها, حتى تندثر أو تُنسى, إذا لم يدعو لها داعٍ, ولم تناسبها مناسبة.

قرأتُ مؤخراً عن مراحل يُمرر فيها العاقل مشاعره؛ حتى يقرر إظهارها أو كتمانها, والطريقة التي يظهرها بها..
ومع بساطتها, إلا أنها تساعد أيما مساعدة في اكتساب الذكاء العاطفي - الذي يعني القدرة على إدارة العواطف وحسن استخدامها- , واسميتها " فلاتر المشاعر " , وإن جالت في خاطرك أي مشاعر ( وأخص بالذكر مشاعر الحب والغضب لأنهما أكثر المشاعر اجتياحا للنفس وأصعبها في التحكم بها ).. فاعرضها على هذه الفلاتر, ثم اتخذ قرارك في البوح بهذه المشاعر والتصرف على أساسها..
تأكد أن مشاعرك :
1/ موجهة للشخص المناسب.
2/ وفي الوقت المناسب.
3/ وبالقدر المناسب.
4/ ولهدفٍ مناسب.
5/ وفي النهاية .. " أظهرها بشكلٍ مناسب "

فإذا داهمتك مشاعر الغضب من أمرٍ / شخصٍ ما, فانظر إلى الشخص -المسكين- الذي ستُفرغ عليه غضبك, هل له ذنب؟ .. وإن كان له. هل هذا الوقت مناسب أم أن ظروف الشخص متردية ولا ينقصه المزيد من السلبية.. وإن كان الوقت مناسباً : فرّغ عن غضبك بلا ظلمٍ أو اجحاف, كن منصفاً وزن الأمور بموازين العقل ولا تعطها أكبر من قدرها. وما هدفك من إفراغ مشاعرك؟ هل سيجلب لك إفراغها مصلحة أم سيلحق بك ضررا ؟ .. وفي النهاية اختر الطريقة المناسبة التي تظهر بها غضبك هل ستكون بالمقاطعة, أو المواجهة, وإن كانت المواجهة, أهي المواجهة العنيفة أم التي لا تجرح..
{وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} آل عمران: 134

وإن شعرت أنك على وشك الوقوع في حب شخصٍ ما .. أنظر أولاً.. هل يستحق ذلك الشخص تلك المشاعر النبيلة منك؟ وإن كان يستحق, فهل هذا وقت مناسب لأن تظهر تلك المشاعر - أم أن هناك فجوة عمرية بينكما مثلاً أو حالته الاجتماعية لا تسمح لك بهذه المشاعر تجاهه- وهل يستحق كل هذا القدر من الحب؟ وهل ستكون ثمار اظهارك لذلك الحب يانعة أم خبيثة؟.. ثم أظهرها بطريقة مناسبة يرضاها الدين والخلق والمجتمع.
{وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} البقرة: 216

هذه هي الفلاتر الخمس للمشاعر, التي أنوي, وأتمنى - كل التمني - أن أطبقها على حياتي حتى أزداد سيطرةً عليها فأزداد رضىً عنها ونجاحاً فيها.
وأنت.. تحكم في مشاعرك ونفسك, لتقودها بدل أن تقودك, وتُسيّرها بدل أن تُسيّرَك, وتوجّهها بدل أن توجّهك, وتمسك زمامها بدل أن تأخذ بناصيتك !